كيف نتحكم في الألم ؟!!
حينما تتأمل ملامح بعض الناس
تشعر أنه
كتلة من الجراح تمشي على الأرض
لا تدري أيحملون الجراح؟ .. أم تحملهم؟
يعيشون في هذه الحياة
ولسان حالهم كما قال (بولس سلامة):
كاسي على الألم الدوي شربتها
ممزوجة بمرارة ودماء
اواه لو كان الرقاد يزورني
لرضيت من دنياي بالاغفاء
لا يلتقي جفناي الا خلسة
فكان بينهما قديم عداء
المي يشق على الخيال لحاقه
فيتيه بين البحر والصحراء
هو كل اهات العصور تجمعت
مروية بمدامع الشهداء
عدم السيطرة على الألم النفسي
قد يهوي بنا إلى دروب مظلمة
لا تخطر لنا على بال
وصدق من قال:
إذا فاض الألم .. تفجر الإحساس من الداخل
و (عميت البصيرة)
وقد بعثت عنوان هذا الأسطر
كسؤال لعدد من الزميلات
(هل نستطيع أن نتحكم في الألم؟)
فكان رد إحداهن:
( إذا كان الألم في الصميم أو يشاركه آلام و هموم أخرى
فيكون الألم هو المتحكم
في النفس و العقل و الجسد بشكل كبير
بل وفي اتخاذ القرارات و المواقف و المبادئ )
نعم
الألم إذا لم يتم احتواءه..
قد ينال من المبادئ
هذه حقيقة
تأمل هذه الآية:
(مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ
مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)
هم واثقون من نصره سبحانه
لكن شدة المصاب والألم دفعتهم للتساؤل
فجاءت الآية مبشرة
{ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}
يجب أن نستوعب آثار الألم النفسي المدمرة
والتي لن تزول بزوال المُسبِبِ
كيف نتحكم في الألم؟
ثمة إجابة عثرت عليها لهذا السؤال
فأفادتني كثيرا
ليست إجابة إيمانية فقط .. ولا عقلية فقط .. ولا نفسية فقط
بل هي مجتمعة
مجتمعة في (كلمة واحدة)
قد تكون قرأتها مئة مرة
و سمعتها مئة مرة
و أدعيت أنك من أهلها
- وما أكثر ما نفعل ذلك -
غير أنني اليوم أريدك أن تقرأها بقلبك
لأنها الشيء الوحيد
الذي يزيل الألم بالكلية
لست هنا أتحدث عن الصبر
فالصبر يصاحبه إحساس بالألم
لكني أتحدث عن درجة أعلى من الصبر
ينتفي فيها الألم بالكلية
دع ما بيدك أفتح مصحفك
واقرأها بقلبك
إنها
الآية 59 من سورة التوبة
ففيها من القواعد والحلول ما تتحير فيه العقول
(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ
وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ)
(التوبة : 59 )
ينشغل البعض بالخلافات الدائرة حول هذه الآية
وهل هي دعاء أم لا؟!
وتنقلب الهداية بهذه الآية إلى معارك تقسي القلب
لكن التأمل في كتب التفسير
يكشف لك من أسرار هذه الآية العجيبة
ما يشغلك عن كل جدل
يقول إبن كثير :
( تضمنت هذه الآية الكريمة أدباً عظيماً وسراً شريفاً،
حيث جعل الرضا بما آتاه اللّه ورسوله،
والتوكل على اللّه وحده، في قوله {وقالوا حسبنا الله}،
وكذلك الرغبة إلى اللّه وحده،
في التوفيق لطاعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم
وترك زواجره ، وتصديق أخباره ، والاقتفاء بآثاره)
وحينما تتأمل في الآية تجد أنها
تضمنت مفاتيح الرضا :
1- التسليم القلبي أولا
(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ)
2- و التعبير الفعلي عنه ثانيا :
( حَسْبُنَا اللّهُ .. سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ .. إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ)
هذه الجمل الثلاث بكل ما فيها
من رضا ورجاء وحسن ظن بالله
فيها شفاء القلب المنهك ..
و سكون الروح المتألمة
وحينما تستشعرها
وتعيشها
ستمر بحالة اتزان عجيبة
وستشعر أن قلبك يبتسم
وكما قال أحمد أمين :
( ليس المبتسمون للحياة أسعد حالا لأنفسهم فقط ,
بل هم كذلك أقدر على العمل , وأكثر احتمالا للمسئولية ,
و أصلح لمواجهة الشدائد و معالجة الصعاب )
أنت بحاجة لاستحضار سبب الألم الذي يعبث بك
لا بأس بإيقاظ بعض الجراح
ايقظها وعالجها بكلام الله الشافي المعافي :
( حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ)
وتأمل ما يقوله ابن رجب في جامع العلوم و الحكم :
( الصبر : كف النفس و حبسها عن التسخط مع وجود الألم ,
وتمني زوال ذلك , و كف الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع
و الرضا : انشراح الصدر و سعته بالقضاء ,
و ترك تمني زوال ذلك المؤلم, و إن و جد الإحساس بالألم ,
لكن الرضا يخففه لما يباشر القلب من روح اليقين و المعرفة,
و إذا قوي الرضا فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية )
حسنا سأعيد هذه الجملة و اقرأها بقلبك..
( إذا قوي الرضا فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية )
إلهنا .. وخالقنا .. وسيدنا .. ومولانا
يا من عليه يتوكل المتوكلون..
و إليه يلجأ الخائفون
و بكرمه وجميل عوائده يتعلق الراجون
نسألك اللهم رضا .. يرضيك
تبرأ به جراحنا
وتطمئن به قلوبنا
وتسكن به أرواحنا
و تزول به آلامنا
اللهم آمين
اللهم آمين
اللهم آمين
……………………………………………
ما وافق الحق من قولي خذوه .. وما جانبه بلا تردد اجتنبوه
كتبته هند عامر