الحمد لله رب العالمين ، له الحمد الحسن و الثناء الجميل ،، و الصلاة و السلام
على خير خلق الله أجمعين ، محمدٍ صلى الله عليه و على آله و صحبه و مَن
اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الديـن .
و بعـد ،،
احفظ لسانَـكَ أيُّها الإنسـانُ ... لا يَلدَغَنَّـكَ إنَّهُ ثُعبـانُ
كَم فى المقابرِ مِن قتيلِ لسانه ... كانت تهابُ لقائهُ الأقرانُ
لسانكِ - أخيتى - هو أحد أسباب سعادتكِ فى الدنيا و الآخرة .. كيف ذلك ؟
يقـول نبينا صلى الله عليه و سلم : (( الكلمة الطيبة صدقة )) [متفق عليه] .
فإذا تكلمتِ بالخير ، و جعلتِ لسانكِ يلهجُ بذِكر الله سبحانه ، فهذا من الكلام
الطيب ... كما أنَّ الكلمة الطيبة تتمثل فى الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ،
يعنى فى الدعوة إلى الله تعالى ..
و الدعـوة تحتاج إلى شئٍ مهمٍ جـدًا و هـو : الرفق و اللين .
يقول النبى صلى الله عليه و سلم : (( إنَّ الرفق لا يكونُ فى شئٍ إلا زانه ، و لا
يُنزَعُ مِن شئٍ إلا شانه )) [رواه مسلم] .
فـ ارفقى - أخيتى - ارفقى بمَن تدعيها ... قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه
و سلم : (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظَّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفَضُّوا مِن
حَوْلِك )) [آل عمران:159] .
أولاً : اعلمى - أخيتى - أنَّ النبى محمدًا صلى الله عليه و سلم هو قدوتنا ،
((لَقَد كَانَ لَكُم فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُوا اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ
اللهَ كَثِيرًا )) [الأحزاب:21] .. و قد كان حبيبنا صلى الله عليه و سلم رفيقًا بمَن
حوله ، و بمَن يتعاملون معه ،،، فلم يُعَنِّف أحدًا من أصحابه ، بل كان يدعوهم
باللين ، (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَة )) [النحل:125] ..
و كُلُّنا يعلمُ قصة الأعرابى الذى بال فى المسجد ، و كيف تعامل معه النبى صلى
الله عليه و سلم باللين .
و انظرى - أخيتى - لهذا الأسلوب الرائع فى الدعـوة من النبى صلى الله عليه
و سلم حين أراد أن يُقدِّمَ النصيحةَ لعبدالله بن عمر و يدعوه لقيام الليل ، فلم يأمره ،
بل قدَّم نصيحته على شكل اقتراح ، و هذا يجعل النصيحة مقبولة ، فقال صلى الله
عليه و سلم : (( نِعْمَ الرجل عبدالله لو كان يُصَلِّى من الليل )) [متفق عليه ] ، و فى
رواية : (( يا عبدالله : لا تكن مِثلَ فُلان ، كان يقوم الليل فترك قيام الليل )) [متفق عليه] .
و انظرى لأسلوبٍ آخر منه صلى الله عليه و سلم فى الدعوة باللين و الرفق ، فقد
أخذ بيد مُعاذ بن جبلِ رضى الله عنه و قال : (( يا مُعاذ ، واللهِ إنى لأحبك )) فقال :
((أوصيك يا مُعاذ لا تدَعَنَّ فى دُبُرِ كُل صلاةٍ تقول : اللهم أعِنِّى على ذِكرك و شُكرك
و حُسن عبادتك )) [رواه أبوداود و صحَّحه الألبانى] .
أرأيتى أخيتى : أخذ بيده / واللهِ إنى لأحبُّك / أوصيك .
ثلاثُ عباراتٍ ... ما أجملها ..!! ما أروعها ..!! ما أصدقها ..!!
‹‹ أخذ بيده ›› : استشعرى أخيتى معى هذا المعنى ... و الذى يدل على القُرب ،
و الحب ، و قوة الصلة بينهما ... و مما يؤكد ذلك : قوله صلى الله عليه
و سلم : ‹‹ واللهِ إنِّى لأحِبُّك ›› ، يُقسم بالله ، و هو صادقٌ فى قَسَمِه ،،
‹‹ إنِّى لأحبُّك ›› مشاعر جميلة صادقة يُعَبِّر عنها صلى الله عليه و سلم بكلامه .
‹‹ أوصيك ›› ، و لا يُقَدِّم الوصية إلا شخصٌ مُحِب ، تهمه مصلحتك ، و يريد لكِ
الخيـر .... فما أجمل أسلوبه صلى الله عليه و سلم فى الدعـوة ..!!!
و كم تمر بنا من مواقف فى حياتنا ، مع أخواتنا ، و زميلاتنا ، و جاراتنا ،
و قريباتنا ، كلها تحتاج إلى دعوةٍ بأسلوبٍ هادئٍ لَيِّن ..
لكنْ مِنَّا مَن تُحسِن تقديم النصيحة ، و مِنَّا مَن لا تُحسنها .
و هـذه مفاتيح تستطيعين بامتلاكها كسب حُب مَن تدعينها ، و تحقيق
هدفك ، أقدِّمُها لكِ أخيتى لعلها تنفعكِ :
1- أخلصى النيةَ لله سبحانه و تعالى ، (( وَمَا أُمِروا إِلَّا لِيَعْبُدوا اللهَ مُخلِصينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفَاءَ )) [البينة:5] .
2- إنْ كان المُنكر أو الفِعل المُسئ قد صدر من فتاةٍ أو امرأةٍ واحدة ، فلا تنصحيها
أمام الناس ، حتى و لو كان ذلك أمام إحدى أخواتها أو صديقاتها المُقربات منها .
تعمدنى بنُصحٍ فى انفرادى ... و جنبنى النصيحةَ فى الجماعة
فإنَّ النصح بين الناس نوعٌ ... من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإنْ خالفتنى و عصيتَ أمرى ... فلا تجزع إذا لم تُعطَ طاعـة
3- اختارى الوقت المناسب لتقديم النصيحة ، فلا تُقدِّميها مثلاً فى وقت حُزنٍ أو
فرحٍ أو غضب ، حتى لا تُنَفِّرى المَنصوحةَ منكِ .
4- اختارى المكان المناسب لتقديم نصيحتك ، فلا تُقدِّميها فى الشارع ، أو فى منزلٍ
غير منزلك أو منزل التى تريدين نصيحتها .
5- حين تُقدِّمين النصيحة ، خاطبى قلب المنصوحة ، و لا تُخاطبى جسدها .. فلا
تضربيها إن كانت أختك أو ابنتكِ مثلاً .
6- لا تنتقديها ، فالناس لا يحبون النقد .
7- لا تدققى و تركزى على كل صغيرةٍ و كبيرة ، بل تغاضى عن بعض
الأشياء ، خاصةً تلك التى لا فائدة من ذِكرها .
8- ابدأى باستخدام جانب الترغيب ، و اجعلى أسلوب الترهيب هو آخر ما
تلجأين إليه إنْ لم يُفلح الترغيب ،، يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :
((يَسِّروا و لا تُعَسِّروا ، و بَشِّروا و لا تُنَفِّروا )) [متفق عليه] .
9- ابتسمى فى وجه مَن تدعينها ، حتى تقبل منكِ ، و اعلمى أنكِ تؤجرين على
ابتسامتك ، فلا تبخلى بها ،، يقول النبى صلى الله عليه و سلم : (( لا تحقرنَّ
من المعروف شيئًا ، و لو أنْ تَلقى أخاك بوجهٍ طليق )) [رواه مسلم] .
10- لا تُقَدِّمى النصيحة على شكل أوامر ، بل اجعليها على شكل اقتراح ،
فلا تقولى مثلاً : افعلى كذا ، و لا تفعلى كذا .. و لكنْ قولى : ما رأيكِ لو
فعلتِ كذا ، أو : أقترح عليكِ أن تفعلى كذا ... و قد تقدمين النصيحة بطريقة
غير مباشرة على شكل قصةٍ مثلاً مُشابهة لما عليه هذه المرأة أو الفتاة ،
و تكون القصة حقيقية و نهايتها هى ما تريدين من المنصوحة تحقيقه .
11- لا تُشعريها بأنها مُخطئة ، أو بأنها قد ارتكبت ذنبًا عظيمًا و كبيرة ،
لأنها فى هذه الحالة لن تقبل منكِ ، و لن تسمع لكِ ، و ستُصر على ما
هى عليه .
12- لا تُظهرى الشماتةَ بها على ذنبها .
13- لا تُشعريها بأنكِ أفضل منها ، فلا تمدحى نفسكِ أمامها و تذكرى
محاسن صفاتك ، فتشعر بأنها أقل منكِ ، و حينها لن تكسبى ثقتها و إصغائها .
14- ارفقى بمَن تتعاملين معها و تنصحينها ، و أحسنى الظن بها ، فقد
تكون نسيت أو أخطأت عن جهل ..
و انظرى لعبدالله بن المبارك ، فقد عطس عنده رجلٌ فلم يقل "الحمد لله" ،
فقال عبدالله : ماذا يقول العاطس إذا عطس ؟ قال : الحمد لله . فقال عبدالله :
يرحمك الله .
15- اقبلى من المنصوحة أقل القليل ، فيكفى أنها سمعت لكلامك ، و استجابت
لكِ ، فارضى منها بأى شئ ، خاصةً لو كانت فى أول الطريق .
16- مع تقديمك للنصيحة ، استخدمى أسلوبًا آخر بجانبها ، و هو تقديم الهدية ،
فالهدية وسيلةٌ للتقريب بين الناس ، و بين قلوبهم ،، يقول الرسول صلى الله
عليه و سلم : (( تهادوا تحابوا )) [رواه البخارى] .. فقدمى الكتيب أو الشريط الإسلامى ، أو حتى المطويات و رسائل الجَوَّال .
17- إذا لم تستجب لكِ المنصوحة ، فلا تيأسى ، بل حاولى معها ، و غَيِّرى
من أسلوبك فى كل مرة .
18- اغتنمى الفرص ، فإذا كانت أختكِ أو ابنتكِ مثلاً تسمع الغناء ، و أثناء
استماعكما لأحد المشايخ ذكر قصة شابٍ كان يسمع الغناء فمات و خُتِمَ له بسوء ،
فحاولى إيصال المعنى لأختك أو ابنتك بطريقة غير مباشرة حتى تمتنع عن سماع
الغناء دون إجبارٍ من أحد ... و هكذا مع كل موقفٍ يمر بكِ فى حياتك .
19- لا تنظرى إلى جانب الشر فيمَن تنصحينها ، بل انظرى للجانب الخَيِّـر
فيها ، و اذكرى مَحاسنها أمامها ، حتى تكونى عادلةً مُنصِفة .
20- لا تُشعرى المنصوحة بأنكِ تُلقين مُحاضرةً عليها ، بل قَدِّمى النصيحة
باختصار .
21- راعِ المستوى العُمرى و الاجتماعى لمَن تقدِّمين لها النصيحة .. لأنها إنْ
كان مستواها الاجتماعى أو المادى أقل منكِ فستشعر أنكِ تتعالين عليها ، و إنْ
كان مستواها أعلى منكِ فقد لا تقبل نصيحتك لأنها ترى أنكِ لستِ من مستواها ..
و كذلك إنْ كانت أكبر منكِ سِنَّاً قد تستصغركِ ، و إنْ كانت أصغر منكِ فقد تشعر
بأنكِ تعطينها أوامر .. فاختارى الأسلوب المناسب لكل مَنصوحة .
و هـذه قصةٌ أعجبتنى ، ذكرها الشيخ محمد العريفى فى كتابه
"استمتـع بحياتـك " ، فأحببتُ أن أنقلها إليكن ، ففيها الفائدة إن
شاء الله .
يقـول الشيخ :
‹‹‹‹ كان عبدالله رجلاً مُتحمسًا ، لكنه تنقصه بعضُ المهارات . خرج يومًا من بيته
إلى المسجد ليُصلى الظهر ، يسوقه الحرص على الصلاة و يدفعه تعظيمه للدين .
كان يَحث خُطاه خوفًا مِن أن تُقام الصلاة قبل وصوله إلى المسجد .
مَرَّ فى أثناء الطريق بنخلة فى أعلاها رجل بلباسِ مِهنته يشتغل بإصلاح التمر .
عَجِبَ عبدالله مِن هذا الذى ما اهتم بالصلاة ، و كأنه ما سمع أذانًا و لا ينتظر
إقامة ! فصاح به غاضبًا : انزل للصلاة . فقال الرجل بكل برود : طيب طيب .
فقال : عَجِّل . صَلِّ يا حِمَار !!
فصرخ الرجل : أنا حِمَار !! ثم انتزع عسيبًا من النخلة و نزل ليفلق به رأسه !!
غَطَّى عبدالله وجهه بطرف غُترته لئلا يعرفه ، و انطلق يعدو إلى المسجد .
نزل الرجل من النخلة غاضبًا و مضى إلى بيته و صَلَّى و ارتاح قليلاً ، ثم خرج
إلى نخلته ليُكمِل عمله .
دخل وقتُ العصر و خرج عبدالله إلى المسجد . مَرَّ بالنخلة فإذا الرجلُ فوقها ،
فغَيَّـر أسلوبَ تعامله .
قال : السلام عليكم . كيف الحال ؟
قال : الحمد لله بخيـر .
قال : بَشِّر !! كيف الثمر هذه السنة ؟
قال : الحمد لله .
قال عبدالله : الله يوفقك و يرزقك و يوسع عليك ، و لا يحرمك أجر
عملك و كَدِّك لأولادك .
ابتهج الرجل بهذا الدعاء ، فأَمَّنَ على الدعاء و شَكَر . فقال عبدالله : لكنْ يبدو
أنَّكَ لشدة انشغالك لم تنتبه إلى أذان العصر !!
قد أَذَّنَ العصر و الإقامة قريبة ، فلعلك تنزل لترتاح و تُدرك الصلاة ، و بعد الصلاة
أكمل عملك . الله يحفظ عليك صحتك .
فقال الرجل : إن شاء الله ، إن شاء الله . و بدأ ينزل برفق .
ثم أقبل على عبدالله و صافحه بحرارة ، و قال : أشكرك على هذه الأخلاق الرائعة .
أمَّا الذى مَرَّ بى الظهر فيا ليتنى أراه لأعلمه مَن الحِمَار !! ›››› .
و أخيـرًا أقـول لكِ أخيتى : إذا ما امتلكتى المفاتيح السابقة ، و دَرَّبتى نفسكِ
عليها ، و حاولتى تطبيقها ، و أضفتى إليها مفاتيحَ من عندك ، فستكسبين مَن تدعينها إلى الله ، و ستكون الدعوة - بإذن الله - سهلةً يسيـرةً عليكِ .
لكـنْ ، عليكِ أن تستعينى دائمًا بالله سبحانه و تعالى ، و تتنمنين هداية الناس
من حولك ، حتى و لو لم تكونى أنتِ سببًا فى هدايتهم ... و تذكَّرى دائمًا قولَ
رَبِّكِ سبحانه : ((وَمَن أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى
مِنَ المُسلِمِين )) [فصلت:33] ،،، و قول نبيكِ صلى الله عليه و سلم :
((لأن يهدى اللهُ بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك مِن حُمُر النعم )) [رواه البخارى] .
أسألُ اللهَ جَلَّ و عَلا أن يُعيننا جميعًا على الدعوة إليه ، و أن يتقبل مِنَّا
الصالحَ من الأعمال و الأقوال ، و أن يُدخلنا الفردوس الأعلى ، إنه وَلِىُّ ذلك
و القادرُ عليه .
هذا و ما كان من توفيقٍ فمِن الله وحده ، و ما كان من خطأٍ أو سهوٍ
أو نسيان فمِنِّى و الشيطان و الله و رسوله منه بَراء